يحذر خبراء سياسيون وقانونيون من عودة العراق الى النظام المركزي مجددا بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا بإلغاء قانون النفط والغاز في إقليم كردستان وإلزام الإقليم بتسليم كامل وارداته النفطية الى الحكومة الاتحادية.

ويأتي قرار المحكمة الاتحادية برفض قانون النفط والغاز في كردستان بعد مرور 15 عاما على صدوره، ورغم أن السنوات الماضية شهدت العديد من التجاذبات بين الجانبين على ملف النفط والملفات العالقة الأخرى بينهما الا أن موضوع دستورية قانون النفط والغاز الذي أصدره برلمان الاقليم عام 2007 لم يكن ابدا على طاولة المفاوضات بين الجانبين بحسب مطلعين على سير المفاوضات.

يعتبر الخبير السياسي العراقي رمضان البدران قرار المحكمة الاتحادية مثيرا للقلق والجدل الكبيرين، مشيرا الى وجود فارق كبير بين رصانة لائحة المدعى عليه اقليم كردستان ولائحة الشكوى المقدمة من قبل علي شداد، رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس محافظة البصرة السابق.

ويضيف البدران لموقع (نيوز ايست): “شداد لم يتابع المرافعات اصلا ومن الغريب أنه ممثل عن البصرة فبدلا من أن يطالب بتنفيذ حقوقه في المشاركة ادارة الثروة النفطية يطالب بحجب الحقوق عن كردستان ويدفع باتجاه تطبيق القانون 101 لسنه 1976 والذي بموجبه تعاقد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على كل جولات التراخيص دون ان يعود بالراي لأي محافظة ولا حتى البرلمان”، متسائلا “اي تخبط هذا؟”.

يطرح البدران مجموعة من الأسئلة “ما هو غير الدستوري حين يكتب في داخل الاقليم قانون ينظم ادارة النفط والغاز في حين تمتنع الحكومة المركزية من اكمال قانونها لأكثر من 15 سنه متتالية؟ هل ان ادارة النفط والغاز من ضمن الصلاحيات الحصرية للحكومة المركزية؟ الجواب كلا  حسب المادة 110من الدستور. وهل ان معنى ملكية النفط والغاز لكل العراقيين تعني ان تدار الثروة من بغداد فقط؟ الجواب كلا”.

ويشير البدران الى أن حقوق التملك موضوع وحقوق التصرف والانتفاع موضعين اخريين مختلفين والمادة 112 في الدستور واضحة في تصنيف وتوزيع الحقوق التصرفية. وبالنص تساوي تلك الماده بعبارة (معا) اي أن بغداد والاقاليم والمحافظات تديرها بصلاحيات متساوية وبالتالي استخفاف المركز وعدم اهتمامه لحقوق المحافظات والاقاليم في كل قراراته كانت هي المخالفة الدستورية.

ويردف “كل جولات التراخيص جرت من قبل الحكومة العراقية وفق قوانين مجلس قيادة الثورة المنحل وكلها صادرت أدنى احترام لإرادة الاقاليم والمحافظات وصال وجال المالكي وفريقه دون أن يسمحوا للبرلمان بالتدخل ولو برأي في حينها، وكلها كانت مخالفه ووفق نفس منطق المحكمة الاتحادية الاخير وبكل صراحة ووضوح للدستور في كل بئر جرى التعاقد به مع اي شركة اجنبيه بعد صدور الدستور، الحقول التي لم تتم تنقيبها وقام الاقليم بالتنقيب عنها هو حق لكل محافظة وليس للإقليم وهو استثمار لموارد طبيعية، والدستور لم يحرم ذلك”.

وبحسب المادة (112) من الدستور، أولا: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة وتوزيع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد.

وتؤكدالمادة (115) من الدستور على أن كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما.

ويصف البدران قرار المحكمة ببيان سياسي صرف مثير للقلق ومؤشر خطير على تخبط القضاء وخضوعه للتأثير السياسي وهو فعلا ينسف الكثير من الامل في امكانية استقرار العراق.

ويضيف “على الصعيد التنفيذي ما علاقة الدستور وتشريعات النفط والغاز بالموضوع!! هذه المحكمة صممت منذ وقت بريمر للبت في قوانين سارية وخلافات بين الوحدات الادارية حين الانتقال من النظام المركزي الشمولي الى النظام الاتحادي وليس للبت في تشريعات دستوريه فالفارق كبير من حيث التخصص ونوع القضاة وخضوع تعيين القضاة للمحاصصة اخرجهم من مهنيتهم وجعلهم في مهب التجاذبات السياسية”.

وتعرض إقليم كردستان لازمة اقتصادية خانقة إثر قطع الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي عام 2013 لحصة الاقليم من الموازنة الاتحادية، واستمرت الازمة حتى مطلع عام 2021 حيث وقع الجانبان اتفاقا ضمن قانون الموازنة العامة الاتحادية، ونص الاتفاق على حق الاقليم في استخراج وتصدير وبيع النفط، على أن تسلم عائدات 250 ألف برميل من نفط الإقليم يومياً للحكومة الاتحادية.

 

ويشدد السياسي العراقي البارز انتفاض قنبر في تغريدة على تويتر أن “المادة 112 ثانيا من الدستور تثبت حق اقليم كردستان والمحافظات بوضوح وبلا غبار استثمار النفط وتؤكد بطلان ادعاء المحكمة الاتحادية خاصة في ظل تقاعس البرلمان والحكومة في بغداد في تشريع قانون للنفط والغاز يوضح العلاقة النفطية بين المركز والاقاليم والمحافظات منذ 2007 اي ومنذ 15 سنة!”.

ويتزامن قرار المحكمة الاتحادية مع حالة الانسداد السياسي الذي يشهده العراق منذ اعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضية، ويشير مراقبون للشأن العراقي أن فالأطراف السياسية الموالية لإيران التي خسرت في الانتخابات تستخدم المحكمة الاتحادية كوسيلة لتأخير تشكيل الحكومة الجديدة خشية خسارة ما كانوا يمتلكون من سلطات ونفوذ خلال الحكومات الماضية بعد عام 2003.

ويرى الخبير القانوني عمار سرحان في حديث لموقع (نيوز ايست): أن “قرار المحكمة سيتسبب بأزمة جديدة تؤخر تشكيل الحكومة الجديدة تخلق مشاكل جديدة في مقدمتها تأخير المصادقة على قانون الموازنة وبالتالي الخاسر الوحيد فيها هو الشعب العراقي البسيط”، معربا عن مخاوفه من تداعيات القرار على عملية تشريع القوانين اللاحقة، داعيا الى ضرورة العمل على تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي بأسرع وقت.

ويؤكد الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بلال وهاب في تحليل نشره المعهد على أنّ “حكم “المحكمة الاتحادية العليا” لا يساعد الحكومة المركزية على التوصل إلى حل عملي لمشكلة معقدة، ولا تستطيع السلطات الاتحادية تحمّل ترك صناعة النفط في «إقليم كردستان» في مهب الانهيار. وكان من الممكن أن يفرض حكم بنّاء بصورة أكبر، إصدار قانون للطاقة ضمن إطار زمني محدد. ودعا القادة من كلا الجانبين إلى الحوار والوساطة، لكنهم بحاجة إلى أن يضعوا في عين الاعتبار أنّ الأحداث الدولية الأخرى تتنافس بشدة على اهتمام الولايات المتحدة”.

ويؤكد خبراء سياسيون وقانونيون أن محاولات الأطراف السياسية المتحكمة بالعملية السياسية خلال السنوات الماضية لتعطيل الدستور الذي صوته عليه العراقيون في استفتاء شعبي عام 2005 وسيطرة المليشيات المسلحة الموالية لإيران على الملفات الرئيسية في العراق أن البلد ذاهب باتجاه المركزية مجددا وبالتالي بات النظام الفدرالي الذي سعى له غالبية العراقيين بعد عام 2003 في خطر.