رمضان حمزة/ كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسات المائية

 

 ساهم موسم الجفاف للعام 2021 الماضي على إستمرار دوامة  ندرة المياه وهشاشة النظم البيئية في العراق مما ساعد في ازدياد  شدة تحديات المياه يوماً بعد يوم. وزيادة الطلب على المياه لمختلف الإستخدامات وخاصىة لأعمال الري والزراعة، وزيادة وتيرة تغير المناخ والمنافسة الكبيرة بين القطاعات والتوسع الحضري الغير المبرمج كل هذه العوامل وغيرها ساهمت بشكل كبير في تفاقم تحديات ندرة المياه، وبسبب استمرار الحروب في العراق  ظهر ضعف شديد في هياكل الحوكمة غير الرشيدة للمياه، مما أدى الى ترك التحديات الخارجية والداخلية دون معالجة إلى حد كبير، فضلاً عن عدم استمرار أعمال الصيانة  وخلل في أنظمة تشغيل مشاريع الري والإسالة.

هذا الإهمال ترك آثاراً كبيرة في إتخاذ السياسات  المناسبة لتعزيز عمل المؤسسات لإدراك قيمة المياه لمستقبل البلد. حيث يعاني العراق من تحديات كبيرة غير مسبوقة كون نطاق أزمة المياه الراهنة غير مسبوق، ويتطلب تدابير منسقة عبر المؤسسات واهل الخبرة والإختصاص.. لذلك هناك حاجة ماسة الى تطوير ممارسات ومؤسسات لإدارة الموارد المائية الشحيحة في سياق مناخ تغلب عليه الطبيعة القاحلة والتقلب الشديد،  لأن عدم التوصل إلى حلول لتحديات المياه يزيد الهشاشة تفاقماً.

خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية رمضان حمزة

وتولد ازمات المياه ضغوطاً على قدرة الأفراد والمجتمعات على الحفاظ على الأمن الغذائي والسياقات الإقتصادية والإجتماعية لضمان الاستقرار السياسي، إن عدم إتخاذ الجدية في معالجة الملف المائي على المستويين الداخلي والخارجي سيزيد من الهشاشة التي بدورها ستزيد صعوبة  في التصدي لقضايا المياه الآنية والمستقبلية فالأوضاع الهشة الحالية  الناجمة من ضعف المؤسسات وعدم فاعليتها، والتي تتسم بعدم الإستدامة، وخاصة في ظل تهالك البنية التحتية المتداعية والمتضررة، مما تزيد التحديات تعقيداً في مواجهة الإدارة المستدامة للمياه. إن طبيعة المياه في ظل  ظروف الهشاشة التي تجتاح العراق ستتمخض عن حلقة مفرغة، وزيادة في صعوبة الإدارة الفعالة للمياه، مما يزيد من التبعات السلبية السياسية والاجتماعية والبيئية للتحديات ذات العلاقة بالمياه. وفي الوقت نفسه، ومع إهمال وترك قضايا المياه بدون معالجة، يتعاظم أثارها  السلبية مما يساعد على تقوِّيض شرعية الحكومات وتساهم في زعزِعة الأوضاع  الإجتماعية الهشة.

قد لا يكون الجفاف السبب الرئيس لتفاقم الأزمات المائية بقدر عدم وجود إدارة ذات حوكمة رشيدة لإدارة الملف المائي حيث توجد روابط سببية غير مباشرة بين أزمات المياه والتوترات الاجتماعية  والقلاقل أو الهجرة أو التجليات الأخرى للهشاشة، لكن ما هو واضح أن المؤسسات والخيارات على صعيد السياسات يمكنها تخفيف وطأة الآثار المتعلقة بالمياه على السكان وإقتصادهم، وفي غضون ذلك، يمكن أن تضخم التحديات المرتبطة بالمياه مخاطر الهشاشة عندما لا يعزز تصميم السياسات وتنفيذها الاستدامة والاحتواء والقدرة على مواجهة التحديات على نحو كافٍ.

السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يمكن عمله؟ لتقليل الهشاشة وبناء القدرات لغرض التصدي لتحديات المياه والهشاشة  الجواب قد يكون بالتحول الفوري والآني من التركيز بشكل رئيسي على الاستجابات القائمة على رد الفعل إلى اتباع نهج متوازن طويل الأمد ذات إستراتيجية واضحة المعالم. وسيبني هذا النهج قدرة موجهة نحو تعزيز النمو في وجه الصدمات والأزمات التي طال أمدها، وينصبّ تركيزه على إدارة الموارد المائية وتقديم الخدمات على نحو يتسم بالاستدامة والكفاءة والإنصاف، ويكون ذللك ضمن إطاراستخدام نُّهج تشاركي لامركزي لإدارة المياه.

ونظراً للطبيعة المحلية أساساً التي تميز مشكلات المياه والزراعة، حيث يعتبر التشاور مع المجتمعات المحلية ومشاركتها والتزامها عنصراً حيوياً. البدء في الاستثمار في السياسات والممارسات المبتكرة التي من شأنها أن تحقق تطور كبير باستخدام التكنولوجيا وإجراء التحسينات في كفاءة استخدام المياه وإنتاجية المحاصيل الزراعية.

ولابد أن يكون العمل في مجال التعاون في قطاع الموارد المائية المشتركة، فلا غنى عن العمل الجماعي والشراكات، لاسيما الأنهار التي تدخل العراق لها صفة الأنهار المشتركة العابرة للحدود، لأن الإدارة  التكاملية للمياه تعمل على تعزيز السلام والاستقرار وتهيئ بيئة مواتية للاستقرار وبناء السلام. فالمياه والزراعة أساسيان للتعافي والاستقرار وفي نهاية المطاف بناء السلام، كون الإدارة المستدامة للمياه ضرورية على المدى الطويل.