اعتبر مايكل نايتس الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تحليل سياسي نشر على موقع المعهد الهجوم الذي شنته إيران على أربيل عاصمة كردستان العراق الأكثر تهوراً من بين الضربات الإيرانية الأخيرة بالصواريخ والطائرات بدون طيار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وأضاف نايتس أن الضربة الأخيرة على العراق تشير إلى اتباع طهران استراتيجية وقحة وغير قانونية وخطيرة لممارسة النفوذ من خلال الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار – وهي ممارسة مرت دون رادع لفترة طويلة.

 

وهاجم الحرس الثوري الإيراني فجر ١٣ مارس الحالي مدينة أربيل بأكثر من ١٢ صاروخاً سقط جميعها وسط مناطق سكنية شمال واسفرت عن إصابة شخصين بجروح طفيفة.

ويقول نايتس: “يندرج العنف غير المبرر بين الدول – لا يختلف عن هجوم روسيا على أوكرانيا، من وجهة نظر القانون الدولي – ضمن إطار نمط متزايد من الضربات الإيرانية المباشرة التي لا يمكن إنكارها والتي تُشنّ عبر الصواريخ والطائرات بدون طيار على دول الشرق الأوسط. وتتطلب هذه الحادثة وحوادث أخرى مشابهة رداً منسقاً طال انتظاره على صعيد السياسات الدولية والعراقية”.

 

ويسلط نايتس في تحليله الضوء على مجموعة من المبررات التي قدمتها إيران والقنوات التابعة لها في إيران والعراق عقب الهجوم، موضحا “زعمت قنوات الميليشيات العراقية أن طهران كانت تنتقم من موقع الإطلاق المفترض لضربة بطائرة بدون طيار في 14 فبراير على محافظة كرمانشاه الإيرانية، وهو الحادث الذي ألقى النظام باللوم فيه على إسرائيل. وبالمثل، وصفت بعض المنافذ الإعلامية الموقع بأنه مقر للموساد (الإسرائيلي) ومعسكر تدريب. وجاء الهجوم الصاروخي أيضاً بعد أيام فقط من شن غارة جوية إسرائيلية في 7 مارس في سوريا أسفرت عن مقتل عقيدين في الحرس الثوري، مما دفع الأخير إلى التهديد بالانتقام في اليوم التالي”. ويلفت نايتس الى أن بعض القنوات التابعة للحرس الثوري ربطت الحادثة أيضاً بالمقتول قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس جناح الحرس الثوري الخارجي، فقد تزامن التوقيت المحلي لهجوم أربيل على وجه التحديد مع وقت مقتله في الضربة الأمريكية في يناير 2020 قرب مطار بغداد الدولي.

 

ويرى نايتس أن هجوم أربيل قد يكون الأكثر تهوراً من بين الضربات الإيرانية الأخيرة بالصواريخ والطائرات بدون طيار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ولكنه ليس الأول على الإطلاق. فحتى لو كان المرء يميل إلى استبعاد مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة العابرة للحدود التي شنها وكلاء إيران وشركاؤها ضد المملكة العربية السعودية وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة – وهي وجهة نظر خاطئة ومضللة من الناحية الاستراتيجية – فإن عدد الهجمات التي نفذتها إيران بشكل مباشر ويمكن إثباتها يُشكّل نمطاً في حدّ ذاته:

ويؤكد نايتس “على الرغم من عدم إصابة أي شخص أمريكي في الضربة الأخيرة، إلا أن الرد الأمريكي والعراقي الجوهري لا يزال في غاية الأهمية لردع الحرس الثوري الإيراني. ويجب ألا يتخذ هذا الرد شكل هجمات مضادة قد تكون تصعيدية ضد أهداف إيرانية – في هذه الحالة، قد يكون اعتماد مزيج من الخطوات العسكرية الدفاعية والعمل الدبلوماسي القوي فعالاً بنفسه. ومع كل ضربة عبر الحدود تقوم بها إيران دون عواقب، يتعلم النظام أنه يستطيع الانخراط بحرية في مستويات معينة من العدوان السافر ضد الدول المجاورة”. مشيرا الى أنه في حالة عدم الرد سيستنتج شركاء الولايات المتحدة أن واشنطن لن ترد على العدوان السافر عبر الحدود طالما أن الأمريكيين لم يصابوا بأذى.

 

ويتابع نايتس “ردع الحرس الثوري عن القيام بمثل هذه المجازفة هو أكثر من مصلحة واشنطن في الوقت الذي لا يستطيع فيه الغرب تحمل أزمة عسكرية موازية لحرب أوكرانيا. ويمكن القول إن التقاعس عن الرد أو الكلمات الجوفاء هما الطريق الأكثر خطورة بالنظر إلى أن العديد من المنافسين (الصين وإيران وكوريا الشمالية) يراقبون ليروا كيف سيكون رد الولايات المتحدة بينما يتركز اهتمامها على روسيا. إن بذل الجهد اللازم لردع أي عمل إيراني سيكون أسهل بكثير من التعامل مع عواقب صاروخ مفاجئ آخر أو ضربة بطائرة بدون طيار – لا سيما بالنظر إلى خطر مقتل أعداد كبيرة من المدنيين في حالة وقوع ضربة خاطئة (على سبيل المثال، على طائرة أو مجمع سكني)”.

 بعد وقتٍ قصيرٍ من هجوم 13 مارس، صرّح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن واشنطن ستدعم العراق عبر المساعدة في الدفاع ضد الضربات الصاروخية الإيرانية.

ويردف نايتس “تتواجد الدفاعات الأمريكية المضادة للصواريخ وللطائرات بدون طيار في “مطار أربيل الدولي” أساساً، ولكنها موجَّهة نحو التهديدات التي تأتي من مناطق الميليشيات المدعومة من إيران بالقرب من الموصل إلى الجنوب الغربي ولا تغطي المدينة بأكملها. ومن الضروري وضع مخطط حماية بزاوية 360 درجة للتعامل مع الهجمات التي يتم شنها مباشرةً من إيران”.

 

ويؤكد أن بإمكان المسؤولين الامريكيين تسهيل النشر المؤقت لنظام دفاع صاروخي غير تابع لـ “حلف شمال الأطلسي” في أربيل، وهو نظام غير ضروري لحالات الطوارئ في أوكرانيا أو تايوان (على سبيل المثال، بطاريات “باتريوت” القطرية، أو أنظمة صواريخ “هوك” المحسّنة الموجودة حالياً في الخدمة في دول أخرى).

 

كما أشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أنها ستعمل مع بغداد لمحاسبة إيران على الهجوم. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على السلطات الأمريكية إشراك الفصائل العراقية التي تحقق في الحادث – الحكومة المركزية، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والزعيم السياسي البارز مقتدى الصدر – وتزويدهم بأدلة استخبارية عن عمليات الإطلاق الإيرانية المكتشفة. ينبغي بعد ذلك السماح للعراقيين باستخدام هذه الأدلة لدعم شكوى في الأمم المتحدة.

 

ويشدد نايتس أنه على واشنطن وشركائها الدوليين تشجيع العراق بصورة غير علنية على طرد السفير الإيراني إيرج مسجدي. فبعيداً عن كونه دبلوماسياً عادياً، يُعد مسجدي ضابطاً نشطاً في الحرس الثوري الإيراني، وسلوكه منذ هجوم أربيل يتجاوز كل الحدود.

ففي الساعات التي أعقبت الضربة الصاروخية أصدر بياناً هدد فيه العراق بشن ثلاث هجمات أخرى. وبعد يوم، ادّعى أن الضربة الإيرانية لم تنتهك سيادة العراق. بالإضافة إلى طرده، يحق لوزارة الخارجية العراقية أن تطلب ألا يكون أي بديل مستقبلي ضابطاً في الحرس الثوري. وبالمثل، يجب على بغداد وإقليم كردستان النظر في إغلاق القنصلية الإيرانية مؤقتاً في أربيل، التي ربما كانت مصدراً للمعلومات الاستخبارية حول استهداف الهجوم على أربيل.

 

يجب أن تَطْمَئِن بغداد من واقع أن جميع هذه الخطوات يمكن الرجوع عنها متى رأت ذلك مناسباً. وفي غضون ذلك، فإن طرد الدبلوماسيين الإيرانيين للمرة الأولى من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن العراق مستعد لاتخاذ إجراءات حازمة ويستحق الدعم الدولي.