مذابح وعمليات قتل فردية وسوء معاملة وتجويع وتعذيب، هذه أبرز الطرق التي استخدمتها الدولة العثمانية في أواخر عهدها ضد التواجد الأرمني في حدود الإمبراطورية العثمانية، واسفرت عن إبادة أكثر مليون و200 ألف ارمني.

نُفذت عملية الإبادة على مرحلتين بصفتها جزءاً من سياسة التتريك، التي انتهجتها حكومة جمعية الاتحاد والترقي العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.

تمثلت المرحلة الأولى من إبادة الأرمن بقتل الذكور البالغين جماعياً، في المرحلة الثانية، أجبرت النساء والأطفال والشيوخ، حسب قانون التهجير، على المشي في مسيرات موت حتى بادية الشام في عامي 1915 و1916م حيث تعرضوا لعمليات نهب واغتصاب وقتل دوريا.

وتعرف موسوعة الهولوكوست الإبادة الجماعية للأرمن بأنها “أول إبادة جماعية في القرن العشرين. تشير الإبادة الجماعية للأرمن إلى الإبادة الجسدية للشعب المسيحي الأرمني الذي عاش زمن الإمبراطورية العثمانية من ربيع 1915 وحتى خريف 1916“.

 

وتضيف الموسوعة “يشمل ضحايا الإبادة الجماعية أفرادًا قتلوا في المجازر المحلية التي بدأت في ربيع عام 1915، وآخرين لقوا حتفهم أثناء عمليات الترحيل في ظل ظروف المجاعة والجفاف والتعرض للمخاطر والأمراض، والأرمن الذين لقوا حتفهم في طريقهم إلى المناطق الصحراوية في جنوب الإمبراطورية العثمانية شمال سوريا وشرقها، وشمال المملكة العربية السعودية، والعراق، إضافة إلى ذلك، تم إبعاد عشرات الآلاف من الأطفال الأرمن قسرًا عن أسرهم وتحويلهم إلى الإسلام”.

 

الايزيديون وحماية الأرمن

وتشير دراسة بعنوان “ ايزيديو شنكال والأرمن 19141918” اعدها ا.م .د.سعيد خديده علو كلية العلوم الإنسانية جامعة دهوك  والباحث اياد فيان عجاج من نفس الجامعة، الى أن عددا كبيرا من الارمن من مدينة ماردين وضواحيها في كردستان تركيا اضطروا الى الهرب من اضطهاد الدولة العثمانية للارمن خلال الحرب العالمية الاولى وقصدوا سنجار.

وتضيف الدراسة “عندما كانوا يصلون سنجار كان الايزيديون يستقبلونهم بكل محبة واحترام، وخاصة رئيسهم حمو شرو، الذي كان يخصص لهم مساكن للاقامة والمعيشة ويكمل كل حاجاتهم الضرورية”

وبحسب الدراسة قدر عدد اللاجئين الأرمن الذين التجأوا الى سنجار نحو 400 ارمني، وهناك من يقدر عددهم اكثر من ذلك بكثير.

وتضيف الدراسة أنه نتيجة للظروف المعيشية الصعبة آنذاك تعرض اللاجئون الأرمن في سنجار عام 1915 الى الإصابة بالحمى المميتة، الامر الذي أدى الى قيام بعض زعماء الايزيدية وفي مقدمتهم “عاشور ماميس” كبير منطقة ماميسا في وادي كرسي بان يتم جمع كافة اللاجيين الأرمن في مكان واحد لكي لاينتشر ذلك المرض بين سكان سنجار، وامر حموشرو باعطاء تلة مواجهة لقريته لهم وسمح لهم ببناء البيوت وفي الشتاء ساعدهم الايزيديون في بناء بيت كبير، كان المسيحيون يجتمعون فيه للصلاة مع كاهن كلداني يدعى “يوسف” الا انه لم يقم طويلا لذا فان معلما يدعى فرج الله كان يعلمهم، وبعدها تمكن الأرمن من تشكيل جمعية خيرية، وتؤكد الدراسة أن مساندة الايزيديين للارمن اثارت حفيظة السلطات العثمانية، التي وجهت انذار الى زعماء الايزيدية في سنجار وخاصة حمو شرو، ودعتهم الى تسليم الأرمن فورا لكن حمو شرو رفض هذا الانذار واصر على حماية المهاجرين الارمن، مما ادى الى استفزاز الحكومة العثمانية التي سارعت الى توجيه انذار ثاني شديد اللهجة اليه وهددته بارسال حملة عسكرية لابادة الايزيدية اذا لم يسلموا الارمن اليها، رفض حمو شرو الانذار الثاني ايضاً وبدأ بالاستعداد للدفاع عن المنطقة.

 

باشرت القوات العثمانية بقيادة القائمقام العسكري الحاج إبراهيم بك من تلعفر بالتوجه الى سنجار في اذار 1918 بمشاركة بعض القبائل العربية ومشاركة فعالة من قبل الاعافرة، وبعد وصول الجيش العثماني الى الجهة الجنوبية الشرقية من جبل سنجار تصدت لهم مجموعة من الايزديين لعرقلة توغلهم الى الجبل، لكن  القوات العثمانية تمكنت من الوصول الى منطقة صولاغ وخيمت هناك وبداو بقصف القرى الايزيدية بالمدافع ومنها قرية حمي، التبه، قزلكند،كابارا، قصركى، واندلعت معركة بين العثمانيين والايزيديين قرب قرية جدالة اضطر اهاليها الى ترك منازلهم والتوجه الى الجبل، ومن هناك بدأت القوات العثمانية بالتوجه الى القرى الى الواقعة الى شمال  الجبل واحتلت قرى سكينية وبارا والجفرية والحليقية وصولا الى قرية كرسي ونصبوا مدافعهم فيها.

وجه قائد الحملة العسكرية العثمانية ابراهيم بك انذارا الى زعماء الايزيدية طالبهم بتسليم اللاجئين الأرمن وتسليم ما بحوزتهم من الاسلحة وحضور (22) من كبار رؤساءهم الى عين غزال على سبيل الدخالة، او تحمل النتائج المترتبة على الرفض.

ورفض حمو شرو طلبات القائد العثماني بالقول:” يجب ان ندافع عن أنفسنا ونرفض ان نسلم هؤلاء الأبرياء الى سيوف الحكام الظالمين” وهكذا رفض “مجلس الحرب الايزيدي” شروط القوات العثمانية وقرروا فورا ارسال إسماعيل جول بك الى القوات البريطانية لطلب المساعدة.

تجمع الايزيديون في مزار شيبل قاسم وبعد بدء العمليات العسكرية بقصف شيبل قاسم بالمدافع نصح حمو شرو الارمن بترك المنطقة الشمالية والتوجه الى المنطقة الجنوبية من الجبل وحمل كل ما يستطيعون حمله من المؤن.

ونتيجة للخلافات التي كانت سائدة بين زعماء جبل سنجار وعدم تكافئ القوة مع قوات الدولة العثمانية اضطر عدد من زعماء الايزيدية الى طلب الرحمة من قائد الحملة العثمانية إبراهيم بك، لكن حمو شرو وبحسب الدراسة استمر مقاوما للعثمانيين الى النهاية.

تكبد الايزيديون الكثير من القتلى والجرحى ودمرت قراهم ونهب العثمانينون ممتلكاتهم ومواشيهم، حيث قدرت الخسائر المادية بنحو 200 ألف روبية.

وإثر سيطرة العثمانيين على سنجار والمجاعة التي اصابت العراق اضطر الأرمن الى ترك المنطقة.

وتكشف الدراسة “لجأ الأرمن الى عشيرة طي العربية ودفعوا مالا لزعيمها شرط ان يحميهم من القتل، فيما هرب قسم اخر منهم حتى وصلوا الى نصيبين، أما بقي في سنجار فعادوا مرة اخرى الى قريتهم التي سمح حموشرو ببنائها لهم.