دلشاد الدلو

 رفض ساسان آزاد، وهو شاب زرادشتي عراقي، تسجيل عقد زواجه كمسلم في المحاكم العراقية، فالقانون العراقي يسجل عقود زواج أتباع الديانات غير المعترف بها في البلاد زواجا إسلاميا دون الإشارة الى انتمائهم الديني.

ويعاني أتباع الديانات الزرادشتية واليهودية واليارسانية “الكاكائية” والبهائية من مشكلة عدم تسجيل عقود زواجهم في محاكم البلاد حسب دياناتهم.

وتتعامل المحاكم وكافة المؤسسات الحكومية مع المواطن في تسيير معاملات الزواج والطلاق والولادة والوفاة وكافة الأحوال الشخصية بحسب خانة الديانة المكتوبة في هوية الأحوال المدنية، وعدا المسلمين والمسيحيين والصابئة والأيزيديين، فإن جميع أتباع الديانات الأخرى مسجلون كمسلمين في هوياتهم، لأن الدستور لا يعترف سوى بالديانات الأربعة المذكورة.

وبعد محاولات عدة، لم يتمكن آزاد من التمتع بحقوقه في تسجيل زواجه رسميا حسب ديانته، لأن المحكمة سجلت زواجه كمسلم  وثبتت ذلك في جميع الوثائق المتعلقة به، رغم رفضه بداية، ومحاولته تسجيل زواجه كزرادشتي.

يقول آزاد إن “عقد الزواج الحكومي هو لتسيير الأمور والمعاملات الرسمية”، مضيفا أنه “كزرادشتي، لدي طقوسي الخاصة في الزواج، لذلك عقدت زواجي حسب الطقوس الدينية قبل الذهاب الى المحكمة”.

ويتطلب عقد الزواج حسب الطقوس الدينية الزرادشتية وجود رجل دين بدرجة موبد أو بير، وحاليا لا توجد هذه المرتبة الدينية بين زرادشتيي العراق. الأمر الذي دفع آزاد الى الاستعانة برجل دين بهذه المرتبة خارج البلاد، والذي عقد مراسم الزواج عن بعد عبر تطبيق سكايب.

آزاد ليس الوحيد الذي واجه مشكلة عدم تسجيل زواجه حسب ديانته،  فالعديد من العراقيين يواجهون المشكلة نفسها بسبب انتمائهم الديني. دلنيا، “اسم مستعار” لمواطنة عراقية من أتباع الديانة اليارسانية، هي الأخرى حُرمت من حق تسجيل عقد زواجها حسب ديانتها، فالديانة اليارسانية غير معترف بها في العراق كذلك.

توضح دلنيا “أنا وزوجي من أتباع الديانة اليارسانية، لكن المحكمة عقدت زواجنا كمسلمين، وحتى هوياتنا مسجلة كمسلمين”، وتردف “نحترم الديانة الإسلامية والمسلمين ونعيش معا على هذه الأرض منذ قرون، الا أننا نريد أن نتمتع بحقوقنا في تسجيل زواجنا والحصول على هويتنا كاتباع يارسانية وهذا لن يحدث قبل اعتراف الدولة العراقية بنا”.

ورغم اعتراف الدستور العراقي الحالي الذي صوت عليه العراقيون في استفتاء شعبي عام 2005، بأربعة ديانات فقط هي الإسلام والمسيحية والصابئة المندائيين والأيزيديين، الا أن هذا الدستور أكد في المادة 39 منه أن “العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم، أو مذاهبهم، أو معتقداتهم، أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون.”

وتشير ممثلة الزرادشتيين العراقيين في شبكة تحالف الأقليات، فائزة فؤاد، الى أن أتباع الديانة الزرادشتية حاولوا عدة مرات تقديم عقد زواج خاص بالزرادشتيين إلى وزارة العدل والسلطات العراقية ذات الاختصاص، لكن الدولة لم تقبل به.

وتضيف أن “السبب في ذلك يعود لعدم إجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية العراقي، لذلك يحرم غير المسلمين من تسجيل عقود زواجهم في المحاكم حسب الديانة التي يتبعونها.”

وترى فؤاد أنه في ظل اعتراف الدستور العراقي بحقوق الأقليات، فإن هناك ضرورة لتعديل قانون الأحوال الشخصية، وإجراء كافة عمليات الزواج والطلاق وتسجيل أطفال أتباع الديانات غير المسلمة حسب دياناتهم، مؤكدة أن “عدم تعديل قانون الأحوال المدنية سيؤثر على نسبة هذه الأقليات”، وخاصة  “في حال تنظيم الإحصاء السكاني الذي سيحرم أتباع هذه الديانات من حقوقهم وهويتهم الدينية وسيسجلون كمسلمين.”

ورغم عدم تخصيص خانة للديانة في البطاقة الوطنية، التي تصدرها الحكومة العراقية بحسب قانون البطاقة الوطنية رقم (3) لسنة 2016 لتحل محل هوية الأحوال المدنية، إلا أن هذه الخطوة لم تعالج مشكلة الأحوال الشخصية لأتباع هذه الديانات.

وتؤكد المحامية حنان أرشد السعدون على أن “خلو البطاقة الوطنية من الديانة لا يؤثر على معاملات الزواج والطلاق، لأن البيانات الشخصية المخزونة لدى المؤسسات الخاصة بكل فرد تشير إلى ديانته فيما يخص الأحوال الشخصية.

وتؤخر الصراعات السياسية والدينية المتزايدة في العراق عملية الاعتراف بالأقليات والديانات غير المعترف بها، حيث ينتظر أتباع هذه الديانات منذ أعوام نيل الاعتراف الرسمي، كي تتمكن من الاستفادة من مجموعة من الحقوق السياسية والدينية التي حرمت منها بسبب عدم اعتراف الدولة بها، وتثبيت حقوقها.

ويطالب رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، علي العبادي، مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى في العراق بالتفاتة حقيقية الى هذه القضايا وانصاف اتباع هذه الديانات.

ويرى العبادي أن “على المجتمع الدولي وخاصة منظمات الأمم المتحدة تنظيم ورشات تعاون مع منظمات حقوق الإنسان المحلية من أجل الاهتمام بهذه القضايا والعمل على تشريع قوانين تنصف أتباع هذه الديانات”، مشددا على أنه “لا يمكن أن يعاني أتباع هذه الديانات من هذه المشاكل في الوقت الذي دخل العراق فيه مرحلة الديمقراطية والحرية وقوانين حقوق الإنسان.”

وعادة، لا تدلي الجهات الحكومية العراقية المعنية بهذا المجال بأي تصريحات رسمية لوسائل الإعلام، لكن مسؤولا في وزارة العدل العراقية فضل عدم الكشف عن اسمه، أكد عدم تسجيل الوزارة عبر المحاكم عقود زواج أتباع الديانات غير المعترف بها في العراق، موضحا أن “عملية التسجيل ليست لأسباب تتعلق بحرية الدين والمعتقد، بل لأن أتباع هذه الديانات خلال السنوات الماضية سجلوا كمسلمين في كافة الوثائق الرسمية وبالتالي تتعامل المحاكم معهم  كمسلمين حسب الأحوال الشخصية، وتعقد زواجهم كمسلمين.”

ويساهم تسجيل عقود الزواج في المحكمة في الحصول على البطاقة التموينية والبطاقة الوطنية الموحدة وبطاقة السكن وشهادة الجنسية ويسمح بتسجيل الطفل رسمياً وحصوله على حقوقهُ القانونية من شهادة الولادة والتعليم والرعاية الصحية، لذلك يضطر أتباع هذه الديانات إلى القبول بتسجيلهم مسلمين كي لا يحرموا من هذه الحقوق.