دلشاد الدلو

حيدر عصفور وهيفاء صبري وجمال يوسف، مواطنون عراقيون لا يختلفون عن بعضهم سوى من ناحية إجراءات تغيير الديانة، فحيدر وهيفاء يعانيان من عوائق قانونية واجتماعية لأنهما مسلمين غيّرا ديانتهما، أما الأخير فلا يواجه أي عائق عندما غيّر ديانته للإسلام، بعد أن كان يعتنق ديناً آخر.

وينص قانون البطاقة الوطنية رقم (3) لسنة 2016 في المادة (26) أولاً، على أنه “يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقاً لأحكام هذا القانون”، وبهذا مَنعَ تغيير الديانة على المسلمين، وتنص الفقرة ثالثا من هذه المادة على حصر اختصاص النظر بدعوى تغيير الدين في محكمة المواد الشخصية.

وتعتبر محكمة المواد الشخصية محكمة مختصة بنظر دعاوى الأحوال الشخصية لغير المسلمين بحسب المادة (33) من قانون المرافعات المدنية وإلى نظام الطوائف الدينية رقم (32) لسنة 1981 وملحقه بالطوائف الدينية المعترف بها رسميا في العراق.

يقول حيدر عصفور، وهو رجل أعمال عراقي يعيش في بغداد، غيّر ديانته قبل نحو 3 أعوام من الإسلام إلى الزرادشتية: “أنا وزوجتي غير تقليديين بأفكارنا ومنسجمين مع بعضنا، رفضنا كل القيود ومنها الإجبار على اعتناق دين محدد، وقررنا بكامل حريتنا اعتناق الديانة الزرادشتية”.

ولم يكن باستطاعة عصفور، وبسبب القوانين في المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة العراقية، أداء مراسم اعتناق دينه الجديد، لذلك توجه هو وزوجته نهاية عام 2020 إلى مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، لاعتناق الديانة في معبد للزرادشتية فيها، حيث يعترف الإقليم بحرية الأديان حسب القانون رقم (5) عام 2015 الذي أصدره برلمان الإقليم وفيه اعتراف بجميع الأديان، وإتاحة الحرية لممارسة الشعائر والطقوس.

ويضيف عصفور أن “غالبية الفئات المثقفة من المجتمع تحترم قرارنا، لكن هناك مجموعة عوائق مثل الخوف من فئات أو مليشيات إجرامية، والتعرض بشكل دائم لتهديدات من قبلها”، ويتابع عصفور أن من العوائق الأخرى “عدم تسجيل تغيير الديانة في السجلات الرسمية، حيث نعيش حياتنا بخوف ونضع الصليب بكل مكان وبسيارتنا حتى نشعر بالأمان وتتوقع هذه المجاميع المسلحة والمتطرفة أن الزرادشتية إحدى الطوائف المسيحية”.

ويؤكد عصفور رجل الأعمال العراقي أنه حاول من خلال مجموعة من الكتب الرسمية والمطالبات التي وجهها الى رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والأمانة العامة لمجلس الوزراء ومكتب رئيس الوزراء والوقف المسيحي والديانات ولجنة تعديل الدستور تغييرَ الواقع عبر تعديل عدد من القوانين وتشريع قوانين تتيح حرية الدين والمعتقد في البلاد لكن دون جدوى.

ويطالب عصفور بحرية الدين والمعتقد وأن يكون للزرادشتية نائب في مجلس النواب ومشاركات في جميع المجالات حتى “نستطيع حماية ودعم المكون إعلامياً وأمنياً وماديا وتوفير معبد له في بغداد”.

ولا تختلف هيفاء صبري، اسم مستعار، عن عصفور فهي الأخرى كانت مسلمة وقررت اعتناق المسيحية، لذلك تواجه نفس العوائق، وتوضح أن “اختيار الدين حرية شخصية لكن القانون العراقي يمنعنا منها، لذلك أنا أخفي اعتناقي المسيحية خوفا من التعرض للمساءلة القانونية أو التعرض للقتل”.

لكن جمال يوسف لا يواجه ما تعرض له عصفور وصبري، لأنه مسيحي اختار اعتناق الإسلام، ويتيح له القانون العراقي ذلك، ويقول: “قررت اعتناق الإسلام لأسباب شخصية، أشهرت إسلامي أمام رجل دين مسلم، ومن ثم بدأت إجراءات تغيير الديانة، والآن أنا مسلم”.

ونصت المادة (13) من قانون تسجيل النفوس رقم (54) لسنة 1927 الملغي (وهو أول قانون لتنظيم الأحوال المدنية يصدر بعد قيام الحكم الوطني) على أنه “إذا غَيَّرَ الشخص المسجل في سجل النفوس العام دينه فعليه أن يُخبِر مُختار المحلة أو القرية بذلك ويسلم إليه بيانا مصدقا عليه من قبل سلطة روحانية من دينه السابق واللاحق وعلى المختار أن يُخبِر دائرة النفوس بهذا التغيير خلال سبعة أيام”، أي جعل القانون حينها عملية تغيير الدين أمرا مطلقا ليشمل كل الديانات التي كانت معترفة بها في العراق في ذلك الوقت وهي الإسلام واليهودية والمسيحية، لكن هذا القانون ألغي عام 1955 بعد صدور قانون تسجيل النفوس رقم (59) الذي ألغي هو الآخر فيما بعد، فالظروف السياسية والأمنية والتغييرات التي شهدها العراق خلال تاريخه الحديث وصولا إلى الآن، ترتب عليها تغيير وتعديل قوانين الأحوال الشخصية والنفوس والجنسية 6 مرات، لكن مع كل تغيير كان عملية تغيير الديانة أمرا حصريا لغير المسلمين فقط.

وتشدد عضو الهيئة الاستشارية في شبكة تحالف الأقليات العراقية، جوان بختيار، على أن “حالة تغيير الدين تخص الفرد نفسه ولا تعني تكفير الآخر وإلغاء الدين ورفض الاخر المتدين”.

وتضيف بختيار أن “اعتناق الدين والالتزام به أو عدمه هي حالة تخص الفرد، لكن الوجه الاجتماعي لا يبيح هذا الاختيار، وإنما يمنح سمة الدين وضرورة الالتزام به للفرد من ولادته الى مماته”.

فيما يرى رئيس منظمة ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية (منظمة محلية عراقية)، رجب كاكائي، أن “عوائق عديدة منها اجتماعية وقانونية ناهيك عن الفتاوى الدينية تقف في طريق من يتحول دينيا” ويوضح كاكائي أن  العوائق  “تتمثل بالنبذ الاجتماعي” للشخص الذي يرغب بتحويل دينه في محيطه وبيئته” بالإضافة إلى العوائق القانونية”.

وفي السياق ذاته يقول مسؤول في وزارة الداخلية العراقية، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، إن “القانون العراقي يمنع تغيير الديانة من الإسلام الى الديانات الأخرى لكنه لم يحدد أي عقوبة لمن يغير دينه من المسلمين”، مردفا أن “العملية فقط ممنوعة بشكل رسمي، لكن الدولة لا تلاحق المسلمين الذين يغيرون ديانتهم”.

إلا أن الحقوقي هاني البصري يوضح أنه على الرغم من عدم وجود  عقوبات مباشرة، إلا أن من يغير دينه يواجه “فسخ عقد الزواج من زوجته المسلمة وحرمانه من الميراث”.

ويلفت البصري الى أن الدستور العراقي ينص في المادة (2) أولا/أ على أنه لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الشريعة الإسلامية وبذلك لا يمكن تعديل القانون من ناحية تغيير الدين، إلا في حالة واحدة وهي تشكيل الأقاليم الفدرالية في البلاد، حيث بإمكان هذه الأقاليم تشريع قوانينها بمعزل عن مجلس النواب الاتحادي معتمدة على الفقرة (ب) من المادة الدستورية أعلاه أو تغيير الدستور إلى دستور علماني.