كميل بو روفايل – دبي/ موقع الحرة

“حرية التعبير في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال تحت قبضة الأمن تارة، والقضاء الموجه من أجهزة سياسية طورا”، وفق خبراء استطلع موقع “الحرة” رأيهم. وفي عصر باتت الفكرة لا يحدها أي حاجز، توسع نشاط أجهزة أمنية ليطال ناشري المحتوى أيضا في بعض الدول، بحسب منظمات حقوقية.

وآخر المخاوف على حرية التعبير والنشر، قرار “الداخلية” العراقية في “ملاحقة ومحاسبة ناشري المحتوى الهابط، الذي بدأ يهدد أمن وثقافة العراق”، حسب الوزارة. ما أدى إلى تخوف عراقيين على الحريات بسبب عدم وضوح مصطلح “المحتوى الهابط”.

وضمن الإطار قال الباحث الاجتماعي العراقي محمد شاكر في حديث سابق لموقع “الحرة” إن “وصف المحتوى الهابط يمكن أن يشمل أنواعا كثيرة من المحتوى الموجود على مواقع التواصل”، مضيفا “من دون تعريف محدد للمحتوى الذي تعمل وزارة الداخلية على محاربته لا يمكن إلا أن نشعر بالقلق من هذه الخطوة”.

ويعاني ناشرون على مواقع التواصل الاجتماعي، في دول عدة مجاورة للعراق، مثل لبنان وسوريا، للتضييق والمحاسبة على محتويات نشروها لاعتبارات عدة.

فما هو “المحتوى الهابط”؟ وهل يجوز “التعدي” على الحريات تحت ذريعة رفع مستوى المضمون المنشور؟ ومتى يمكن اعتبار تدخل الدولة بحق الناشرين واجب ومشروع؟

“هابط”؟ “إشكالي وخطير”

يعتبر المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير، أيمن مهنا، في حديث لموقع “الحرة” أن ” كلمة محتوى هابط ليست دقيقة، فهناك مضمون خطير أو إشكالي، يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى مواقع إخبارية وإعلامية”.

ويعدد مهنا أنواع المحتوى “الإشكالي أو الخطير” وفق الشكل الآتي ويصفه بـ”الخط الأحمر”:

  • خطاب الكراهية: يختلف عن التصريحات التي تنتقد شخصية عامة أو تشتمها. فهو خطاب تحريضي، يدعو إلى التمييز أو نبذ فئة من المجتمع بسبب لونها، أو لغتها، أو دينها، أو ميولها الجنسية، أو لأنها من اللاجئين.
  • خطاب التضليل: الغاية من هذا الخطاب تضليل الرأي العام من خلال بث أكاذيب متعلقة بشخص، أو قضية، أو بلد، أو واقع اجتماعي، كي تؤثر على سلوك الأشخاص ومواقفهم.
  • المساس بخصوصية الأشخاص: إفشاء تفاصيل عن حياة الأفراد الشخصية، أو عن أطفالهم وعائلاتهم بأمور خاصة لا علاقة لها بموقعهم العام أو مواقفهم العامة، وتعرض سلامة هؤلاء الأشخاص للخطر.
  • الإساءة: يكون هناك رقابة لاحقة عندما تحصل إساءة على شخص ما ويقرر الأخير الادعاء أمام القضاء المستقل والنزيه في بلد ديمقراطي. ولا تحظى هذه النقطة بشعبية وقبول كبيرين.
  • المضمون الإباحي المتعلق بالأطفال: وهو المحتوى الموجه إلى أطفال دون السن، وقد يبرز مشاهد إباحية تتعلق بهم، أو لأشخاص دون السن.

وفي حين تختلف الدول على محاسبة ناشري المضامين الأولى، فإنها تجمع على رفض ونبذ المضمون الإباحي الإلكتروني المتعلق بالأطفال.

ملاحقة ناشري المحتوى في دول عربية

تشير مديرة البرامج في مؤسسة مهارات، ليال بهنام، في حديث لموقع الحرة إلى أن “أي شخص يتضرر من أي محتوى يمكنه اللجوء للقضاء. ففي العالم العربي كل قدح وذم هو فعل مجرّم، وعليه ملاحقات جزائية وعقوبات تصل إلى الحبس”.

وترفض مؤسسة مهارات تجريم كل ما يتعلق بالتعبير، لذلك تؤكد بهنام رفضها “تجريم القدح والذم”.

لكنها تلفت إلى جواز ملاحقة ناشر كل محتوى يحرض على الكراهية، والعنف. لأن هذه الأفعال تخضع إلى غير منظومة قوانين، وممكن أن تكون من ضمن قوانين جزائية وعليها عقوبات جزائية. فيجب التمييز بين حرية التعبير وما يتعلق بالتحريض على العنف.

منظمات تنتقد الرقابة على المضمون

ويشدد مهنا على “رافض الرقابة المسبقة على أي أمر يتعلق بالتعبير عن رأي أو موقف أو حث فني معين، فهذه ممارسات مرفوضة، لأنه لا يمكن لأي جهة أن تدعي أنها تعلم كل شيء، وأن تقيّم جميع ما يعبر عنه الفرد”.

ويضيف مهنا، أنه “لا يمكن لأي جهة ادعاء أن قيمها هي الأمثل، كي تسعى لفرضها وفرض وجهة نظرها على سائر أفراد المجتمع”، مشيرا إلى أنه “لا يوجد أي تبرير للرقابة المسبقة إلا بحالات استثنائية، عندما يكون المضمون يدعو إلى اقتراف جريمة معينة بشكل واضح، وفي هذه الحالات فحسب تتخذ إجراءات لمنع حدوث جريمة، وأي تبرير آخر غير مقبول”.

من جهتها، ترفض بهنام “كل ما هو رقابة مسبقة، فحقوقيا، وفي أي دولة، لا يجب أن يكون هناك رقابة مسبقة، وكل رقابة يفترض أن تكون لاحقة”.

“الجمهور وحده يقيم المحتوى”

“لا يحق حظر المحتوى (الهابط) الذي لا تتوافر فيه المعايير المهنية أو الذي يأتي خلافا للثقافة السائدة، فالرأي العام هو من يقيم المحتوى، ويقرر أكان سيقرأه أو يسمعه أو يشاهده، أو أنه سيتجاهله”، بحسب بهنام.

وتشير إلى أن ذلك يرتكز على مدى توافر الوعي الإعلامي الرقمي لدى الرأي العام، كي يتمكن من تحديد المحتوى الذي يثق به، والمحتوى الذي سيعتبره هابطا. فهنا يعود لكل إنسان أن يحدد المحتوى الذي يريد أن يراه، وذلك الذي لا يريد متابعته ولا يهمه.

واعتبرت بهنام أن كل تصرف خلاف ذلك يعتبر تعديا على حرية التعبير، ما عدا المحتوى التحريضي، الذي يحض على الكراهية وارتكاب الجرائم، والبيدوفيليا، “فهذه المحتويات التي يجب حظرها”.

وأوضحت بهنام أن هذه الأمور لا تحصل من قبل جهات أمنية، بل بموجب تدخل قضائي، بناء على الرقابة اللاحقة في دول ديمقراطية يتمتع القضاء فيها بالاستقلالية.

المسار “المقبول” لحظر المحتوى

من جهته، يشرح مهنا كيف يمكن حظر محتوى إلكتروني، بشرط أن يأتي مطابقا مع النقاط الخمس التي عددها سابقا، موضحا أن “المسار القضائي يجب أن يكون مستقلا وغير خاضع للضغوط السياسية أو الطائفية أو الحزبية”.

ويتابع: “يمكن حظر هذه المحتويات، في الحالات التي فيها حكم قانوني عادل، ومسار قضائي سوي. فحيث لا يكون القضاء مستقل بشكل حقيقي عن السلطة السياسية لا يمكن التعويل على حريات التعبير”.

حقوق النشر في دول المنطقة

وتعليقا على حريات النشر في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقول مهنا إن أنظمة عدة في المنطقة تعتمد مبدأ ملاحقة الناشطين في الفضاء الإلكتروني منذ سنوات.

و”تحت تسميات مختلفة، مثل محاربة الأخبار الكاذبة تمرر بعض الحكومات العربية قوانينها لتبرير الممارسات القمعية. وهذا الأمر اعتدنا عليه، وهم يطبقونه اليوم على الفضاء الإلكتروني مثل ما كانوا في السابق يطبقوه على الكتب والأفلام، فالتضييق على الناشرين في الفضاء الإلكتروني بدأ منذ زمن”، وفق مهنا.

ويشير إلى أنه “لا يمكن تبرير الرقابة على المضمون الإلكتروني في حال كان المسار البرلماني في تمرير القانون غير ديمقراطي، وفي حال كان المسار القضائي، لتطبيق القانون غير مستقل عن السلطة السياسية”.