دلشاد الدلو

أنا مسيحية لكن زوجي أسلم قبل وفاته بسنوات، فأصبح أولادي مسلمين بحسب القانون، بدون أن يؤخذ رأيي أو رأيهم، والآن أنا الوصية عليهم وأنشأتهم كمسيحيين، لكنهم مضطرون للتصرف كمسلمين خارج البيت كي لا يعتبروا بحسب القانون مرتدينتقول مارلين، وهو اسم مستعار لامرأة عراقية من بغداد.

يثير قانون البطاقة الوطنية العراقية رقم (3) لسنة 2016 مخاوف الأقليات الدينية غير المسلمة، التي لم تتوقف عن المطالبة بتعديله خلال السنوات الماضية معتبرة إياه خطراً على التنوع في العراق“.

وتنص الفقرة الثانية من المادة (26) من قانون البطاقة الوطنية العراقي على أنيتبع الأولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين“، فأي من الأبوين غير المسلمين إذا أسلم أحدهما فإن أولادهم من القاصرين يسجلون مسلمين في دوائرالأحوال المدنية.

تضيف مارلينأصيب اطفالي بضياع الهوية بسبب هذا القانون، وباتوا غرباء في مجتمعهم وانطوائيين في تعاملاتهم، وضاع مستقبلهم، لأنهم لن يتمكنوا من العودة الى ديانة آبائهم وأجدادهم حتى بعد بلوغهم سن الرشد، وإن أشهروا ديانتهم المسيحية بعد أن عرفهم المجتمع كمسلمين فسيتعرضون للأذى باعتبارهم مرتدين، وقد يتعرضون للقتل على يد الجماعات المتطرفة“.

وتنتظر مارلين تعديل المادة القانونية كي تطمئن على مستقبل أبنائها، لكنها لا تستبعد الهجرة من العراق كغيرها من المسيحيين، في حال لم تشهد التشريعات والقوانين تعديلات نحو إنصاف أتباع الأقليات الدينية من غير المسلمين في البلاد.

ومارلين ليست الوحيدة التي تعاني من عواقب المادة 26، بل يواجهالعشرات من أتباع الأقليات الدينية في العراق نفس المشكلة نفسها، بحسب علي بخت، رئيس منظمة أفق، وهي منظمة غير حكومية محلية.

عمل بخت وفريق منظمته بالتعاون والتنسيق مع منظمة كابني، وهي منظمة عراقية أخرى، خلال عام كامل على إعداد دراسة شاملة حول القوانين الطاردة للأقليات في العراق، وكانت المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية أحد هذه القوانين.

يوضح بخت أنهذا القانون يتنافى مع الدستور العراقي ومع التزامات العراق الدولية من خلال القرارات التي يشكل العراق جزءا منها، ومن ضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وأيضا اتفاقية حقوق الطفل“.

وصدرت عن الدراسة المشتركة للمنظمتين مجموعة من التوصيات منها ترك حرية اختيار الدين للفرد بعد بلوغه سن 18، وحينها يختارالإيمان بالدين الذي يناسبه، سواء دينه الأصلي، أو الدين الآخر الذي ينتمي له أحد أبويه“.

ويلفت بخت إلى تشكيلمجموعة ضغط داخل مجلس النواب من النواب المنتمين للأقليات الدينية“، ويضيف أن هؤلاء النواب يخوضونمفاوضات مع الطبقة السياسية“، معرباً عن أمله بتحقيقنتائج جيدةخاصة مع وجود إجماع اجتماعي وسياسي وحتى تضامن من خارج مجتمعات الأقليات، حيث تضامن الكثير من المسلمين مع هذه القضية“.

وفي السياق ذاته، يؤكد العضو السابق في المفوضية العليا لحقوقالإنسان علي البياتي، على ضرورة أن يمتلك الفرد حرية القرار في شأن اختيار دينه، مضيفاً أنهلا يمكن سن قوانين تجبره منذ الطفولة على اعتناق عقيدة معينة أو دين معين، على اعتبار أن العراق متنوع الأعراق والعقائد“.

ويتابع البياتي أنالمادة 26 مخالفة لأحكام الدستور العراقي“، معرباً عن اعتقاده أنه في حالرفع دعوى في المحكمة الاتحادية، فستبطل المحكمة هذه المادة حسب مبادئ الدستور“.

وتعتبر المادة ٢٦ من البطاقة الوطنية نسخة طبق الأصل من المادة21/3 من قانون الأحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 المعدل، المثير للجدل بسبب احتوائه على الكثير من المواد التمييزية.

وترى المحامية الإيزيدية سوزان خديدا أن المادة 26 لا تتعارض معالدستور ومبادئ حقوق الإنسان فحسب، بل تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي ترفض الإكراه الديني، مستشهدة بالآية (256) منسورة البقرة (لا إِكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، متسائلةما هي المعايير التي اعتمدها المشرع وهو على علم بأن القاصر لا يملك الاختيار“، وتلفت الى أن الحل يكمن في قرار تمييزي ينص على العودة إلى الديانة كما كان متبعا في الماضي.

وبسبب الجدل الذي أثارته المادة 21/3 من قانون الأحوال المدنية، وضعت محكمة التمييز بهيئتها العامة في سبعينيات القرن المنصرم مبدأً قضائياً للتخفيف من شدة هذه المادة، ينص على أنالقاصرالذي أسلم تبعاً لإسلام أحد أبويه، إذا بلغ سن الرشد فبإمكانه أن يرفع دعوى قضائية على المدير العام للجنسية والأحوال المدنية لدى محكمة الأحوال الشخصية المختصة، لغرض الحصول على حكم بالرجوع إلى دين أجداده، ويكون له ذلك بشروط ثلاثة هي البلوغ والأهلية والاختيار“، لكن هذا المبدأ توقف العمل بموجبه منذ انطلاق ماعرف حينها بالحملة الإيمانية، والتي أطلقها نظام صدام حسين فيالتسعينيات.

 

من جانبه، يعتبر الخبير في القانون الدستوري، وائل البياتي، مسألة أسلمة القاصرين من الأقليات من المسائل الشائكة بشكل كبير فيما يتعلق بالجوانب القانونية، لوجود تعارض في العديد من التوجهات والآراء في هذا الجانب.

ويسند البياتي هذا التعارض إلى صياغة أحكام الدستور التي عند معالجتها لهذه المسألة جاءت بصيغة تتضمن نوعا من التوافق فيأحكام المادة الثانية، والتي تنص على أنالإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساسي للتشريع مع عدم جواز تشريع أي قانون يتعارض مع ثوابت وأحكام الشريعة الإسلامية ومع مبادئ الديمقراطية ومع الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور“، ومن ثم عاد الدستور بعد ذلك ليؤكد على أن أحكامه تضمن كافة الحقوق الدينية لجميع الأفرادالعراقيين وحرية اعتقادهم وممارساتهم الدينية.

ويوضح البياتي أنالحل الأساسي الذي ينبغي من خلاله تعديل أحكام المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية، هو العمل على أن تنص المادة على الإبقاء على ديانة القاصرين الأصلية في حال إسلام أحدالوالدين، مع إعطاء الشخص القاصر الحق بعد بلوغه سن الرشد في أن يختار ديانة أحد والديه“.

ورغم محاولتنا الحصول على تصريح رسمي أو توضيح حكومي عنالمادة القانونية وإمكانية تعديلها في مجلس النواب، أو إصدار قرار يخفف من صرامتها، لكن دون جدوى، فالجهات المعنية سواء النيابية أو الحكومية رفضت التواصل والأدلاء بأي تصريحات عن هذه القضية.

لكن مصادر خاصة داخل مجلس النواب العراقي كشفت أنالدورة الحالية للبرلمان العراقي قد لا تشهد أي تصويت على تعديل هذه المادة لوجود مشاريع قوانين وقرارات تراها الطبقة السياسية أكثر ضرورة منهذه المادة“.